بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 27 أبريل 2017

تدمر... قبل الزباء

تتضارب الآراء كثيراً حول بداية تاريخ تدمر، فأول وأقدم ذكر لها ورد في كتابات تعود إلى الملك الآشوري تغلت فلاصر الأول (1080-1117) باسم (تدمر أمور). ويقال إن المرة الثانية التي ذكرت فيها هذه المدينة كان في عهد الاسكندر المقدوني الذي حل بها وكانت واحة-قرية أطلق عليها اسم بالميرا Palmyra لكثرة نخلها، وعرفت بهذا الاسم لدى اليونان والرومان ومن جاء بعدهم من أهل الغرب. ولكن هذا رأي لا دلالة قاطعة فيه. البعض يقول بأن كلمة "تدمر" مشتقة من كلمة "تمار"، أي النخلة، وأن ترجمة هذه الكلمة إلى اللاتينية أعطتها تسميتها الغربية، وهذا قول لا سند له. والبعض يقول بأن من بناها هو تدمر بن حسان ابن أذينة بن السميدع بن يزيد بن عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وهذا لا يتعدى رواية القصاصين ولا شك. فهذا الاسم ينطوي على أسماء لا يُعرف لها أصل أو فصل.
وما هو معروف عن تدمر فهو أنها عقدة من عقد التجارة، نشطت على نحو كبير بعد خروج الأنباط وعاصمتهم البتراء (أو البطراء كما يقول البعض) من طرق التجارة، تمر بها القوافل المتجهة إلى العراق وإيران والهند والشام ومصر والبحر المتوسط وبلغ اتصالها اليمن. ونشاط هذه الطرق هو الذي أدى إلى نموها وأفول هذه الطرق هو الذي أدى إلى أفولها. كان تأمين سلامة هذه الطرق يتطلب تحالفات سياسية مع القوى التي كانت سائدة آنذاك: الفرس والروم. وهذه السلامة كانت تتطلب أيضاً وجود حامية عسكرية مدربة للدفاع عن القوافل كما يظهر ذلك في وجود قبور لجنود تدمريين في مدينة القدس. أهل المدينة كانوا تجاراً ومزارعين، ومحيطها كان من الأعراب والرعاة. وغير مركزها التجاري فقد كانت مركزاً دينياً لعبادة الأصنام يحج إليه أعراب البادية، وعرفت بتسامحها الديني إذ سمحت بممارسة كل المعتقدات الدينية.


كان بعل (الرب) هو الإله الأسمى بين آلهة التدمريين في الفترة الهلنستية وما بعدها مع تغير في اللفظ. إله آخر هو ملاكبعل (أي ملاك الرب). ومع وصول العرب الرحل إلى تدمر ومكوثهم فيها أضيف بعلشامين (رب السماوات) إلى قائمة آلهة تدمر. كما بني معبد للآلهة العربية "اللات" في غرب المدينة، كما بني معبد في جنوبها للإله نيبو، وهو إله من أصل بابلي. كما كانت هناك أصنام مقدسة، وحجر مقدس من أصل نيزكي يحج إليه الناس تبركاً. دخلت المسيحية تدمر وشارك أسقفها في مجمع نيقيا عام 325 ميلادي. كما فتحت تدمر أبوابها لخالد بن الوليد عام 634م. 

كانت تجارة تدمر تجارة مجزية. فغير القوافل التي كانت تمر في تدمر وتدفع ضرائب مرورها ومكوثها، فقد قام أهلها بالمتاجرة ببضائع القوافل أو ما يسمى اليوم بالوساطة. وكان مجلس سادات المدينة يحدد قيمة الضرائب على المرور والأرباح. وهذا جعلها مدينة غنية كما يظهر ذلك في الزخارف المنقوشة في أبنية المدينة. وهذا الغنى جعل القيصر ماركوس يحاول الاستيلاء عليها ونهب ثروتها، فدمرها عام 41 قبل الميلاد، ثم أصبحت من بين الأراضي التابعة إلى روما منذ مطلع القرن الأول الميلادي. أما الإمبراطور هدريانوس (117-138م) فأحاطها بعناية كبيرة لأهميتها التجارية، وأصبحت مستعمرة رومانية، بمعنى أنها لا تدفع الجزية لروما. وتابع ذلك من جاء بعده بما جعل المدينة تعيش فترة استقرار نشطت فيها التجارة، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار تراجع النشاط الحربي بين الروم والفرس في تلك الفترة.

عرفت تدمر نظام حكم مماثل لنظامي الحكم الروماني واليوناني، بمعنى وجود مجلس شيوخ ويشرف على التنفيذ شيخان، إضافة إلى المجالس المحلية. واستمر الأمر على هذا الحال إلى أن استولت أسرة أذينة على السلطة عقب تغيرات سياسية كبيرة في المنطقة من أهمها ثورة أردشير وقيام الدولة الساسانية عام 226 م التي عاودت الحروب بين الروم والفرس. ومع أسرة أذينة نشأ حكم ملكي في تدمر عرف أيام مجد وتوسع في أيام أذينة نفسه الذي كان محارباً وقائداً متميزاً، وخلفته بعد مقتله زوجته زنوبيا (الزباء)، ولكنه مجد لم يدم طويلاً بسبب أخطاء سياسية قاتلة، وهذه قصة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق