بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 مارس 2018

اليابان ...مائة وخمسون عاماً على الميجي

الإمبارطور موتسوهستو (ميجي)
أخذ الإمبراطور موتسوهيتو (ميجي) بإجراء إصلاحات جوهرية في بلده بهدف نقلها من العصور الوسطى إلى العصر الحديث. وباعتباره حاكماً ورئيساً روحيا، فإن إصلاحاته كانت سياسية بالدرجة الأولى وكل ما يستلزم هذا من إجراءات على الأرض تخدم روح هذه الإصلاحات. فقد أصدر بين عامي 1871 و 1873 سلسة من القوانين الضريبية على العقارات والأرباح. كما أصبحت الملكية الفردية شرعية وصدرت صكوك بالملكيات ووضعت عليها ضرائب تقابل قيمتها التجارية، على أن تدفع الضرائب مالاً وليس محاصيل كما كان الأمر أيام الإقطاع وبقيمة أقل بكثير من القيمة الصحيحة.

نشطت في تلك الفترة حركات المطالبة بالتمثيل السياسي الديمقراطي، وتأسست أحزاب سياسية على الطريقة الغربية من ميول مختلفة. وللحكومة رئيس يدير الحكومة المعنية بإدارة شؤون البلاد وحياتها اليومية، وبدأت المطالبات بأن تكون هذه الحكومة دستورية وليست حكومة أعيان، ولكن الإمبراطور تدخل بالقول بأن الحكومة الدستورية ستكون الغاية التي يجب الوصول إليها ولكن بالتدرج، وطلب من مجلس الأعيان صياغة دستور للبلاد. وأنشأ جيشاً وطنياً عام 1877. وفي عام 1880 انتخبت مجالس محلية لإدارة القرى والمناطق والمدن. وفي العام نفسه صدر قانون يمنع التجمعات العامة غير المأذونة ويمنع الموظفين من المشاركة فيها. ولكن هذا لم يمنع السياسيين في البلاد من الاستمرار بالمطالبة بحكومة تشارك فيها الأحزاب على الطريقة البريطانية. واحتدم النقاش حول الدستور والخيارات الممكنة ليصدر الإمبراطور بحلول عام 1889 "دستور الميجي" المتأثر بالدستور الإمبراطوري الألماني. وعلى أساسه أقيم البرلمان الياباني المؤلف من مجلسين، الأول منتخب من قبل الذكور الذين تزيد أعمارهم عن 25 سنة، والثاني من الأعيان. وألفت حكومة مسؤولة أمام الإمبراطور، مستقلة عن أية سلطة تشريعية. أي أن الأمر لا يزال في يد الإمبراطور لأنه صاحب سلطة إلهية. ولكن هذا الوضع لم يدم طويلاً بسبب القلاقل السياسية ولم يأت عام 1895 إلا وكانت هناك حكومة ذات سلطات أوسع ومنبثقة عن حزب سياسي. وهو العام الذي جرت وفيه والذي سبقه الحرب اليابانية الصينية التي كسبتها اليابان وضمت إليها بنتيجتها تايوان.

أما في مجال الدين فقد تعززت مكانة ديانة الشنتو وتراجعت البوذية التي كانت تمالئ الشوغو واعترف بالطوائف الشنتوية المختلفة، وأقيم مجلس ديني في بداية عهد الإمبراطور الجديد كانت له مكانة أكبر من مكانة مجلس الدولة، ولكن مكانته تراجعت بسرعة مع تطور الوعي السياسي، وأصبحت وزارة الداخلية تسيطر على الأوقاف والمعابد منذ عام 1877. كما أنه اعترف بالكونفوشية والمسيحية التي كانت شبه ممنوعة. أي أن حقبة الميجي أتاحت لكل امرئ ما يريد من الاعتقاد الديني.

أقيمت سكك حديدية في البلاد، بلغ طولها عام 1894 نحو 3500 كم، كان أولها عام
طوكيو عام 1905
1872 بين طوكيو ويوكوهاما، اللتان كان قد مدّ بينهما خط هاتف عام 1869. كما جرى تطوير البحرية المدنية والعسكرية عن طريق استيراد وبناء المراكب والسفن بما يحاكي البحرية البريطانية. وضربت عملة جديدة في اليابان هي الين عام 1871 كان قابلاً للتحويل إلى فضة. كما أقيم نظام مصرفي عام 1882 مما سهل التداول التجاري مع الغرب وفي الداخل. وأنشئت تجمعات كبيرة للشركات التي كانت تعمل في مجالات مختلفة، مثل تجمع ميتسوبيشي.

وجرى إصلاح كبير في النظام التعليم الوطني الذي شابه النظام الأمريكي إلى حد كبير من حيث التعايش والتنافس بين القطاع الخاص والقطاع العام، ومن حيث لا مركزيته. إذ يمكن للمقاطعات أن تشرف على التعليم الابتدائي وتديره وتدير موارده، في حين أن التدخل المركزي يبدأ مع المرحلة الثانوية أو ما يعادلها. كما أن التعليم أصبح إلزامياً منذ عام 1871. وهو تعليم تميز بانتقائيته وسعيه وراء النخبة. ودعا الإمبراطور العديد من المختصين الأوروبيين في مجالات مختلفة، من الجيش إلى الكيمياء والطب والهندسة والقضاء والملاحة وبناء السفن وغير ذلك للمساهمة في تطوير بلاده وإن كان ذلك بكلف كبيرة. كما نشطت عملية صياغة المصطلحات الجديدة التي لم تكن موجودة في اللغة اليابانية بدون اعتماد الكلمات اللاتينية.

بدأ ذلك منذ 150 عاماً بالتمام. المسافة بين اليابان والدول النامية يمكن أن تكون أقل من ذلك بكثير!... ولكن قراءة تمدن الدول تقول بأنه يبدأ من السياسة أولاً، سياسة تأخذ بالاعتبار واقع مجتمعها وتطلعاته فتسير به إلى تحقيقها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق