بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 13 فبراير 2018

الأنزيمات...لدفع التفاعلات وتنشيطها

الأنزيمات هي بروتينات يفرزها الجسم في مناطق محددة، أي أنها جزيئات حيوية من إنتاج الكائن العضوي نفسه. في الفم مع اللعاب (الغدد اللعابية)، وفي المعدة مع العصارات المعوية وفي تكوين الخلايا نفسها. لها خاصية تحفيز  (catalytic) التفاعلات الكيمائية داخل الجسم. وكل الجزيئات الحيوية التي لها إمكانية تحفيز التفاعلات الكيمائية في الخلايا هي عملياً أنزيمات. وهي تقوم بخفض مقدار الطاقة اللازمة للتفاعل الكيمائي (الذي يحتاج إلى طاقة أكبر في حال غياب الإنزيمات، أي درجة حرارة أعلى قد لا يحتملها الكائن العضوي نفسه) مما يزيد من سرعة التفاعل الذي يجري ضمن درجات حرارة مقبولة.

تحتاج معظم عمليات الإستقلاب (الأيض) التي تجري داخل الخلايا إلى الأنزيمات لكي تتم بسرعة كافية تضمن استمرار الحياة. فتحويل المواد الغذائية وتفكيكها منذ لحظة دخولها إلى الفم ووصول مكوناتها الغذائية المفيدة إلى الدم يجري بمساعدة الأنزيمات التي يبدأ أولها من تلك الموجودة في اللعاب إلى تلك الموجودة في العصارات المعوية. وعملية التفكيك هذه تتم بسرعة بحيث يستفيد منها الجسم دون تأخير لمتابعة الحياة. وهي تقوم بتحفيز نحو خمسة آلاف تفاعل كيمائي مختلف. ولكل تفاعل أنزيمه الخاص به، وكل أنزيم مختص بتفاعل محدد. بعضها يقوم بتسريع التفاعلات بمقدار هائل. إحدى هذه التفاعلات تجري خلال أجزاء من الثانية، وبدون الأنزيمات فإن هذه التفاعلات تحتاج إلى ملايين السنين، أي أنه لولا الأنزيمات لما كانت هناك حياة، على الأقل بالشكل المعروف حالياً.

الأنزيمات مثلها مثل كل المحفزات (catalysers) لا تتبدل أثناء التفاعلات التي تقوم بتحفيزها، ولا تغيّر في التوازن الكيمائي بين المواد الأولية والنواتج. ولا عمل لها إلا تسريع التفاعلات الكيمائية، التي لها إمكانية الحدوث بدون الأنزيمات ولكنها حينئذ ستستغرق وقتاً قد يكون طويل جداً. وبما أنها لا تتأثر في التفاعلات الجارية فيمكنها معاودة تسهيل التفاعلات لدى مجموعة جزيئات  جديدة من مجرد انتهائها من تسهيل التفاعل بين جزيئات سابقة، أي أنه يكفي لعدد قليل من الأنزيمات لإجراء التفاعلات اللازمة.


وفي عملها فهي تؤثر في مادة واحدة محولة إياها مجموعة مواد مختلفة. من أبسط أمثلة الأنزيمات تلك المسماة الأميلاس amylase الموجودة في اللعاب التي تقوم بتقطيع النشا الموجود في الخبز محولة إياه إلى جزيئات صغيرة من السكر. وإذا أطلنا فترة مضغ الخبز للاحظنا طعم السكر في الفم بعد فترة، أي أن أنزيم الأميلاس قام بتفاعله وحرر السكر. الأمر نفسه عند تناول اللحم الذي يجب تقطيع بروتيناته إلى أحماض أمينية لتسير في الدم ولتمتصها خلايا الجسم المختلفة. ومن يقوم بذلك هو بروتينات خاصة (أنزيمات) تشكل ما نسميه بالعصارة المعوية حيث للبنكرياس دور هام فيها.

ولكل أنزيم بنيته الخاصة به والتي تحدد وظيفته وعمله، ولكننا لسنا قادرين حتى اليوم على توقع نشاط أنزيم ما بمجرد معرفتنا ببنيته، ذلك أن هذه البنية تتأثر بالحرارة أو عند تعرضها لمواد كيمائية تشوه بنيتها كما هو الأمر عند وجودها في وسط بتركيز حموضة أكثر أو أقل من اللازم. ولكنها تختلف عن المحفزات في بنيتها أولاً وكذلك في فعلها المتوقف على جزيئات أخرى التي لها أن تقوم بدور "الكبح الأنزيمي" (إبطاء فعل الأنزيم)، كما أن هناك جزيئات تسرّع عمل الإنزيمات. وهناك الكثير من الأدوية التي تبطئ عمل الأنزيمات.

النقص في بعض الأنزيمات أو انخفاض نشاطها لأي سبب كان، يمكن أن يكون له نتائج سيئة على الصحة. وسؤ عمل نمط من آلاف أنماط الأنزيمات الموجودة في جسم الإنسان قد يكون قاتلاً. والبعض منها قد يسبب نقصه إلى عدم الاستجابة لبعض المضادات الحيوية، أو إلى الإصابات العقلية.

وفي غير جسم الإنسان أو الكائنات الحية فإن للأنزيمات تطبيقات صناعية كثيرة وكبيرة. من أهمها الوقود البيولوجي (غير الأحفوري)، وصناعات مواد التنظيف، والتخمير، وفي طهي المواد الغذائية، وفي صناعة الأجبان، وفي الصناعات الغذائية، والبيولوجيا الجزيئية، وفي صناعة الورق، وصناعة المواد الصحية، ومعالجة النشا.


ظهرت كلمة أنزيم لأول مرة في اللغة الألمانية بحدود عام 1877 للإشارة إلى المخمّرات، وكلمة أنزيم enzyme مأخوذة من مكونين إغريقيين أولهما en بمعنى "في"، والثاني هو zume بمعنى "خميرة"، ليصبح المعنى "في الخميرة" رابطاً بذلك الخميرة بالتخمر. أما أول من لاحظ تأثيرها فيعود إلى الإيطالي لازارو سبالانزاني عام 1783 عندما شهد تحول اللحم إلى سائل بعد سكب قليل من العصارة المعوية على اللحم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق