بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 10 يوليو 2017

الحروب القاتلة... معركة فردان

الإنسان، من بين كل الكائنات، هو مخترع الأعداء والحروب التي يجب خوضها ضد هؤلاء الأعداء. وليس من حرب إلا للهيمنة والاستيلاء على مقدرات الآخر. عرفها الإنسان منذ تاريخه الأول كما يؤكد ذلك علماء الإناسة. كانت حروباً قاسية بين مجموعات بشرية نزاعاً على فريسة أو أرض مثمرة، أو على بقاء مجموعة دون أخرى عبر القتال. ربما أن بعض المجموعات كانت تجنح إلى السلم والتقاسم، لكن هذا لم يمنع أن القتال كان الطاغي بين الناس، ولم يمنع أنه حدث بين الأخوة كما تقول قصة قابيل وهابيل حينما أراد الأول الاستحواذ على ما يملكه الثاني وإقصائه.

عرف التاريخ حروباً ومجازر بشرية كثيرة، أعطاها الإنسان صبغات قدسية. وكل طرف يطلق على قتلاه صفات الشهادة والبطولة. وهم ليسوا إلا شباباً كان لهم أن يتابعوا حياتهم كما الآخرين. وسمى غلبته نصراً يزهو به. ولكن أي زهو في أي نصر؟ فهو ليس إلا على حساب شباب كان آباؤهم وأمهاتهم يترقبونهم عوناً لهم في شيخوختهم، وليس حزناً يجرونه طوال ما تبقى لهم من الحياة.

من بين أكثر الحروب فظاعة الحرب العالمية الأولى وكذا الثانية. وفي الأولى جرت معارك بين الألمان من جهة والفرنسيين والإنكليز من جهة ثانية. ومعركة فردان (بقرب مدينة فردان الفرنسية)هي من أبشع فصول هذه الحرب، بالرغم من افتخار الفرنسيين بما أنجزوه في هذه المعركة. بدأت هذه المعركة في 21 شباط عام 1916 واستمرت حتى 19 كانون الأول من العام نفسه. أراد منها الألمان احتلال المنطقة الجغرافية التي تنتمي إليها الأرض التي دارت عليها المعركة، وأراد منها الفرنسيون منعهم من ذلك.

آثار القذائف في الأرض وقد نما فيها الشجر
كان ضحية هذه الحرب بين قتيل وجريح ومفقود 700 ألف جندي مناصفة تقريباً بين الطرفين. استُعمل فيها نحو أربعة آلاف مدفع من الطرفين من قياسات مختلفة قصفت 53 مليون قذيفة (30 مليون من الجانب الألماني و 23 مليون من الجانب الفرنسي بحسب التقديرات)، كان عدد القذائف التي أطلقها الألمان يوم بدء المعركة نحو مليوني قذيفة. وبذلك تلقى كل متر مربع من أرض المعركة ست قذائف وسطياً لا تزال آثارها باقية بالرغم من مرور مائة عام على هذه المعركة.


مأوى عظام قتلى معركة فردان
أفضت هذه المعركة إلى لا شيء من وجهة نظر عسكرية، سوى أشلاء الجثث المتناثرة في كل مكان. من بين قتلى هذه المعركة نحو 200 ألف مفقود، أي قتلى لم تعرف أسماؤهم أو ضاعت جثثهم في الأرض... وحتى اليوم يعثر بعض من يعمل في أرضي تلك المنطقة على بقايا هياكل عظمية، شُيّد بناء كبير لحفظها، تظهر من نوافذه الصغيرة أكوام من عظام مختلفة لشباب ماتوا سُدى بكل ما في الكلمة من معنى... هل يبلغ الإنسان يوماً رجاحة العقل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق