بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 أبريل 2017

الميكانيك الكمومي... ما المقصود؟

إنها مجرد محاولة لتقديم فكرة ولو بسيطة عن الميكانيك الكمومي. هذا الميكانيك يختلف عن الميكانيك العادي الذي نعرفه ونتعامل معه في كل يوم من حياتنا، الذي يسمى بميكانيك الأجسام المرئية. وهو يتعامل مع تسارع وسرعات الأجسام ومواقعها وغير ذلك. فالقمر الذي يدور حول الأرض تنطبق عليه قوانين الميكانيك العادي، وبإمكاننا أن نعرف كل شيء يخص حركة القمر، وبإمكاننا تحديد مساره وأين سيكون بالنسبة للأرض في كل لحظة مسبقاً، ومتى يكون هلالاً أو بدراً إلى ما غير ذلك. أما الميكانيك الكمومي فيتعامل مع الأجسام الصغيرة مثل الذرة ومكوناتها التي لا تنطبق عليها مفاهيم الميكانيك العادي، وإنما مفاهيم أخرى هي مفاهيم الميكانيك الكمومي.

أول هذه المفاهيم هو مفهوم التراكب، الذي يعني "الجمع" لخاصة ما بقيمها المختلفة في آن واحد. فالقمر يمكن أن نعرف موضعه في كل لحظة، أما الإلكترون الذي يدور حول نواة الذرة فلا يمكننا أن نعرف موضعه في كل لحظة وكل ما يمكن أن نقول هو إنه سيكون عند أية نقطة من مساره الدائري في كل لحظة، أي سيكون في كل مكان على الدائرة، أي إذا نظرنا إليه لن نراه وإنما سنرى الدائرة، ليس بسبب سرعته الكبيرة ولكن لأنه في كل الأمكنة في الوقت نفسه. وهذا أمر يصعب تصوره ولكن الأمر هو كذلك، فعالم الأجسام الصغيرة يختلف عن عالمنا عالم الأجسام الكبيرة!  الشيء نفسه يمكن أن يقال بالنسبة للسرعة. إذ يمكننا معرفة سرعة القمر في كل لحظة بالحساب والقياس، أما بالنسبة للإلكترون الذي يدور حول النواة فهي قد تكون 1000 متر في الثانية مثلاً وقد تكون 2000 متر في الثانية، وقد تكون 2500 متر في الثانية. ومفهوم التراكب يعني أن سرعة الإلكترون هي كل هذه السرع في آن واحد بالمعنى الاحتمالي. ومن ثم فإن مشهد الإلكترون حول النواة سيكون أشبه بنوع من الضباب الذي يحيط بالنواة دون القدرة على "الإمساك" بالإلكترون!

هنا يدخل مفهوم آخر هو مفهوم اللاحتمية أو عدم إمكانية التحديد. إذ يمكن أن تكون السرعة 1000 متر في الثانية باحتمال ما ليس بالضرورة الثلث (إن كنا نتحدث عن ثلاث سرع فقط)، وهكذا بالنسبة للسرعة 2000 متر في الثانية باحتمال آخر وكذلك بالنسبة للسرعة 2500 متر في الثانية باحتمال ثالث. وهذه الاحتمالات غير معروفة مسبقاً. بمعنى أننا لو قمنا بالعديد من التجارب في يوم ما وسجلنا النتائج، ثم كررنا التجارب نفسها تماماً في يوم آخر فإننا لن نحصل بالضرورة على النتائج نفسها أو ما يقاربها، بل قد تكون مختلفة تماماً. أي أن الصدفة تتدخل هنا بشكل كبير. هذا على عكس تجربة "طرة" و"نقش"، التي ستعطينا نتائج ما عند قذف قطعة نقود في الهواء مائة مرة مثلاً. ولو كررنا التجربة مع القطعة نفسها وبالظروف نفسها (قذف قطعة النقود في التجربة الثانية بطريقة مماثلة تماماً للمرة الأولى) في يوم آخر فإننا سنحصل على النتائج نفسها. وهذا ما لن يحدث مع محاولة تحديد سرعة الإلكترون. هذه الحالة دعت بآينشتاين، فيما يقال، إلى مخاطبة عالم الميكانيك الكومي "بوهر" بالقول: الله لا يلعب بالنرد، فأجابه "بوهر"، فيما يقال: ومن أنت حتى يقول لك الله ما الذي عليه أن يفعله!

ولو تمكنا من قياس السرعة في لحظة ما فإن الإلكترون سيحافظ على هذه السرعة، بمعنى أن القياس فرض عليه حالة ما وسيبقى فيها، وهذا المفهوم هو مفهوم الخفض أو نزع صفة اللاحتمية. كل ما تقدم يذكرنا بقطة شرودنغر. وهي قطة وضعت في صندوق محكم مصمت، وداخل هذا الصندوق وضعت كمية من مادة مشعة لها احتمال تفكك بعض ذراتها وانطلاق إلكترون داخل الصندوق، ولكن لا نعرف مقدار هذا الاحتمال إلا بشكل تقديري يقول إن إلكتروناً ينطلق كل 24 ساعة مثلاً، ولكن هذا ليس مؤكداً. وبمجرد تفكك كمية كافية من الذرات سيقوم جهاز خاص، يقيس هذه الكمية، بتحرير مطرقة تقوم بكسر قارورة تحتوي على مادة سامة ستقضي على القط مباشرة. فهل القط الموجود داخل الصندوق أثناء التجربة هو حي أو ميت؟ لا نستطيع أن نعرف، ولا يمكننا القول بأن احتمال أن يكون حيّاً هو 50% أو ميتاً باحتمال 50%. لا نعرف، ولا يمكننا أن نعرف، ربما تفككت الكمية اللازمة من الذرات وربما لا، وعليه فالقط بالنسبة لنا هو في حالة ثالثة هي: ميّت-حي. وعند فتح الصندوق فقط ستتحدد حالته وبطريقة نهائية!

وفي حالة الإلكترون، فلمعرفة ما نريد عنه من وجهة نظر ميكانيكية يكفي معرفة سرعته وموقعه في لحظة ما، ولكن المشكلة هي أننا لو تمكنا من معرفة بعض الشيء عن السرعة فسنتمكن من معرفة بعض الشيء عن الموقع، وإذا عرفنا السرعة تماماً فلن نعرف أبداً الموقع. وهذا ما يسمى بمفهوم اللاتحديد لصاحبه هايزنبرغ.

وبما أن حديثنا عن السرعة كان خاصاً بلحظة ما، فلو انتقلنا إلى لحظة تالية ستكون السرعة باحتمالات أخرى، أي أن سرعة الإلكترون في كل لحظة ستكون متغيرة، وسيكون مسار السرعة احتمالياً على شكل موجة، وهذا يجعل من الإلكترون موجة بالأحرى في الوقت نفسه الذي هو فيه جسيم! وهذا هو السبب الكامن وراء المفهوم الخامس القائل بأنه يمكن النظر إلى كل جسيم في الذرة على أنه جسيم متناه في الصغر وموجة في الوقت نفسه. المثال الناصع على ذلك هو الضوء، الذي هو موجة كما نعرف وهو في الوقت نفسه جسيمات الفوتون. وهذا المفهوم أو الخاصية تدفع إلى القول بأن الطريق الذي يسلكه الإلكترون للانتقال من نقطة أولى (أ) إلى نقطة ثانية (ب) هو في الواقع كل الطرق الممكنة بين هاتين النقطتين في الوقت نفسه. وهذا في الواقع ما أكدته تجربة إطلاق إلكترون على حاجز فيه فتحتان حيث مرّ الإلكترون من الفتحتين في الوقت نفسه!

مفهوم آخر هو مفهوم النفق الذي يقول إنه لما كان الإلكترون جسيم وموجة في الآن نفسه، فإنه عند إطلاق إلكترون على حاجز مصمت، فإن جزءاً من الموجة سيرتد وجزءاً آخر، ولو كان بسيطاً، سينفذ إلى الطرف الآخر، وهذا الجزء هو موجة بحد ذاته، أي أن إلكتروناً سينفذ إلى الطرف الثاني، وهذا ما نراه في حالة المواد المشعة التي تنفذ إلى الطرف الثاني من الحاجز بالرغم من أنه معدني!

أما لماذا نسمي هذا الميكانيك بالميكانيك الكمومي فذلك لأن الجسيمات الصغيرة جداً ليس لها أن تأخذ كل كميات الطاقة الممكنة وإنما كميات محددة دون سواها. لذا نرى الإلكترونات تسير على مسارات ذات سويات (كميات) طاقة محددة، وليس لها أن تأخذ أي مسار أو مقدار طاقة تريد في فضاء الذرة، أي لا يمكنها السير بين مسارين مثلاً. وهذا هو المفهوم السابع والأخير الذي انطلق منه الميكانيك الكمومي... وفي هذا الميكانيك هناك حالة غريبة تسمى "بالتشابك" entanglement، وهي تقول بأن لجسمين كموميين أن يدخلا في حالة ترابط بحيث يصبح أحدهما "توأماً شقيقاً" للآخر، ويمكن معرفة حالة أحدهما من معرفة حالة الآخر حتى لو انفصلا عن بعضهما بعد الترابط أو التشابك بمسافات هائلة من دون أن يتواصلا مع بعضهما!

إنه ميكانيك غريب، وهو ما استطاعت معرفتنا حتى اليوم الوصول إليه، وهو الأداة الأفضل حتى الساعة في فهم مجريات الجسيمات الصغيرة...من المحتمل جداً أن يسخر فيزيائي مختص من هذا الشرح الذي سعى إلى التبسيط، ولكن ليعذرنا إذ إن في كل تبسيط إساءة ما!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق