بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

الجمهورية... المعنى والتاريخ


استعملت الكلمة أول مرة، فيما نعرف، في روما، التي شهدت انقلاباً على الملكية عام 509 قبل الميلاد، وأحلت محلها حكماً جمهورياً دام قرابة خمسة قرون. انتهت هذه الجمهورية بقتل يوليوس قيصر عام 40 قبل الميلاد، الذي حل محله أوكتافيوس، الذي أصبح لاحقاً إمبراطوراً باسم أوغسطس، ومن وقتها أصبح الحكم وراثياً ثم بأيدي قادة الجيش. عرفت هذه الجمهورية باسم "جمهورية روما".

كلمة جمهورية مشتقة من كلمتين في اللغة اللاتينية هما: res و publica، بمعنى "الشيء العمومي"، على نقيض الشي الخاص res privata. أي أن حكم المدينة هو شأن عمومي وجماعي. كان شعار جمهورية روما "مجلس الشيوخ والشعب الروماني"، وذلك للدلالة على وحدة مجلس شيوخ روما مع مجمل مواطني روما. أما مجلس الشيوخ فكان مؤلفاً من الأعيان الأثرياء الذين شكلوا الطبقة الحاكمة. وأما باقي الشعب فكان جماهير الفلاحين والحرفيين، الذين شكلوا الطبقة الثانية المحكومة.

لا تتوفر الكثير من المعلومات التاريخية الدقيقة عن هذه الجمهورية وأسباب قيامها، فقد أتلف الزمن معظم الكتابات المعاصرة لهذه الجمهورية، وما يتوفر هو في معظمه ما كتب عن هذه الجمهورية في القرن الأول قبل الميلاد. ومن بين ذلك أن آخر ملوك روما، واسمه تاركان، استبد بالحكم وبالقرار دون العودة إلى مجلس الشيوخ، فما كان من ابن شقيقته إلا أن انقلب عليه وقاد حملة إقصائه عن العرش. ولكن الحادث الذي أطلق الشرارة فيما يبدو هو قيام ابن تاركان باغتصاب زوجة أحد الأعيان. أي أن الجمهورية لم تأت نتيجة ثورة شعب وإنما نتيجة ضيق الطبقة الحاكمة بالملك، فأقصته وبقيت طبقة الأعيان هي الحاكمة عبر مجلس الشيوخ. كما أن الجمهورية لم تقم بسهولة، إذ أعقب الانقلاب على الملك معارك بين أنصاره وأنصار الجمهورية راح ضحيتها الكثير من الطرفين.

توسع الجمهورية الرومانية بين عامي 510 و 40 قبل الميلاد
وفي كل سنة كان مجلس الشيوخ  ينتخب قنصلين اثنين، من الأعيان طبعاً، لإدارة الشؤون اليومية للدولة الرومانية، لهما صلاحيات الملك سابقاً. كان لكليهما الصلاحيات نفسها، ولكن بقيدين اثنين: لكل منهما حق الفيتو على الآخر، وفترة وصايتهما كانت محدودة بسنة واحدة فقط. وهذا من شأنه أن يحد من صلاحياتهما ويخفف من إمكانية فساد الحاكم ويضعف احتمال تحول الحكم إلى استبداد.

 كان القانون الروماني يعترف بالكيان الاجتماعي لعائلات الأعيان، أما عائلات الفلاحين والحرفيين (الشعب كما كانوا يسمون وقتها) فكان عليهم الالتحاق بعائلة من الطبقة العليا. أما سكان المدن التي كانت تحتلها روما فكانوا يستمرون في حياتهم وبعضهم كان يأتي إلى روما للحياة والعمل، حيث كانوا يصبحون تابعين للملك. ومن هؤلاء وأفراد الشعب كان يجري تشكيل الجيش لمتابعة الفتوحات! 

بقي أن نقول إن جمهورية روما كانت جمهورية لأصحاب النفوذ، ولكن ذلك لم يخلو من أزمات بين طبقة الأعيان والشعب، اضطر فيها الطرفان لتقديم التنازلات. مثلت نموذج حكم استمر لمدة خمسة قرون، حققت الكثير من الإنجازات عبر جمهوريتها، وهي الأصل للجمهوريات اللاحقة في التاريخ، وعند تحولها إلى إمبراطورية بدأ أفولها، بالرغم من فترات ازدهار هنا وهناك... وللحديث تتمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق