بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 سبتمبر 2016

نظريات الاقتصاد... مالتوس ومبدأ السكان

مالتوس ويونغ والثورة الفرنسية...من كتاب: رأس المال في القرن الواحد والعشرين... توما بيكيتي
مع ولادة الاقتصاد السياسي التقليدي، في المملكة المتحدة وفي فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، كان سؤال توزيع الثروة في مركز كل التحاليل. ولكل امرئ أن يرى أن التحولات الجدية بدأت، خصوصاً مع زيادة ديموغرافية مؤكدة –غير معروفة في ذلك الوقت- وبداية الهجرة الريفية والثورة الصناعية. فكيف ستكون العواقب لهذه الانقلابات على توزع الثروات، والبنية الاجتماعية والتوازن السياسي للمجتمعات الأوروبية؟

توماس مالتوس
وبالنسبة لتوماس ماتلوس، الذي نشر عام 1798 دراسته عن "مبدأ السكان"، فإنه مما لا يمكن الشك فيه فإن: الزيادة السكانية هي التهديد الأساسي[1]. كانت مصادر دراسته شحيحة، ولكنه حاول تجنيدها بأفضل ما يمكن. فهو تأثر خصوصاً بقصص رحلة المهندس الزراعي البريطاني أرثر يونغ، الذي جاب طرقات المملكة الفرنسية بين عامي 1787 و 1788، التي كانت على أبواب الثورة، وروى بؤس الأرياف الفرنسية.
وهذه الرواية المثيرة ليست خاطئة أبداً. ففي ذلك الوقت كانت فرنسا هي البلد الأكثر سكاناً في أوروبا، وهي تمثل بذلك حالة رصد مثالية. ففي حوالي العام 1700 كان عدد سكان المملكة الفرنسية أكثر من 20 مليون نسمة، وذلك في وقت كان فيه عدد سكان المملكة المتحدة 8 مليون نسمة (وإنكلترا 5 مليون) وتزايد عدد سكان فرنسا في القرن الثامن عشر بإيقاع ثابت، من نهاية حكم لويس الرابع عشر وحتى لويس السادس عشر، لدرجة أن عدد الفرنسيين اقترب من 30 مليون نسمة عام 1780. كل شيء يسمح بالاعتقاد بأن هذه الدينامية الديموغرافية، التي لم تكن معروفة في القرون السابقة، ساهمت فعلياً في ركود الرواتب الزراعية وفي ارتفاع أجور الأملاك في العقود التي قادت إلى انفجار عام 1789، دون أن يكون هذا هو السبب المباشر الوحيد للثورة الفرنسية، ويظهر وضوحاً أن هذا التطور السكاني لم يكن له إلا زيادة لاشعبية الارستقراطية والنظام السياسي القائم.

آرثر يونغ
ولكن حكايات يونغ التي نشرت عام 1792 مطبوعة أيضاً بأحكام وطنية مسبقة وبمقارنات تقريبية. فمهندسنا الزراعي العظيم غير راض أبداً عن الفنادق التي مر بها ولا عن أداء الخادمات اللاتي يقدمن الطعام، ويصف ذلك بقرف. وكان يهدف إلى الوصول بالاعتماد على ملاحظاته إلى نتائج، غالباً تافهة وقائمة على الحكايات، لها طابع عميم. كان قلقاً خصوصاً من المبالغات السياسية التي يمكن أن يقود إليها بؤس الجماهير. كان يونغ مقتنعاً خصوصاً بأن النظام السياسي على الطريقة الإنكليزية وحده، ذي المجلسين المنفصلين للأرستقراطيين والنواب، وحق النقض الخاص بالنبلاء، يسمح بتطور متناغم وواع، يقوده أناس مسؤولون. وكان متيقناً بأن فرنسا كانت في طريقها إلى الانهيار بقبولها في الفترة 1789-1790 أن يكون الواحد والآخر [من كلا المجلسين] في البرلمان نفسه. وليس من المبالغ القول بأن مجموع حكاياته كانت تهيمن عليها خشيته من الثورة الفرنسية. وعندما نتحدث عن توزيع الثروة، فإن السياسة ليست بالبعيدة أبداً، وكان من الصعب غالباً عدم التأثر بالأحكام المسبقة ومصالح طبقة زمانه.

وعندما نشر رجل الدين مالتوس دراسته الشهيرة عام 1798، بدا أنه أكثر جذرية من يونغ في خلاصاته، وهو مثل مواطنه قلق جداً من السياسات الجديدة القادمة من فرنسا، ولكي يؤكد لنفسه بأن مثل هذه التجاوزات لن تمتد يوماً حتى المملكة المتحدة، وهو كان يعتبر أنه يجب التخلص بسرعة من نظام المساعدة للفقراء وضبط الولادات بشدة لهؤلاء الآخرين، وإلا فإن العالم كله سيغرق في الزيادة السكانية وفي الفوضى والبؤس. وفي الحقيقة فإنه من الصعب فهم التشاؤم الأسود –المبالغ فيه-للتنبؤات المالتوسية دون أن نأخذ بالحسبان الخوف الذي يستحوذ على جزء كبير من النخب الأوروبية في فترة 1790.



[1] توماس مالتوس (1766-1834) هو اقتصادي إنكليزي يعتبر أحد أكثر المؤثرين في المدرسة "التقليدية" بجانب أدام سميث (1723 -1790) ودافيد ريكاردو (1772-1823).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق